شبهات حول المرأة
الاختلاط
الشبهة الأولى: حديث الفارسي:
استدلّ بعض دعاة الاختلاط بين الرجال والنساء بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن جارًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فارسيًا كان طيب المرق، فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء يدعوه، فقال: ((وهذه؟)) لعائشة، فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا))، فعاد يدعوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وهذه؟)) قال: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا))، ثم عاد يدعوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وهذه؟)) قال: نعم، في الثالثة. فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله[1].
قالوا: ففي هذا الحديث تسويغٌ للمسلم أن يصحب زوجته إلى المآدب يقيمها جار أو صديق[2].
الجواب:
1- هذا الحديث لا يدل على أكثر من شيء واحد وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطحب عائشة معه إلى بيت الرجل الفارسي، وهو كما دلت أحاديث كثيرة أخرى على اصطحاب الصحابة نساءهم إلى المساجد، وكما دلت أحاديث أخرى على زيارة كثير من الصحابة لأمهات المؤمنين عامة وعائشة رضي الله عنها خاصة، من أجل رواية الحديث أو أخذ الفتاوى أو السؤال عن بعض أحوال النبي عليه الصلاة والسلام.
فأي تعارض بين هذه الدلالة التي لا إشكال فيها ولا نزاع وبين الحكم الإلهي القاضي باحتجاب المرأة عن الرجال والأمر لهم إذا جاؤوا يسألونهن حاجة أن يسألوهن من وراء حجاب؟![3].
2- أما أن يرفض رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستجابة لدعوة الفارسي إلا أن تصحبه عائشة رضي الله عنها فشيء ثابت لا إشكال فيه ولا منقصة، بل إن فيه الصورة البارزة الحية لجميل خلقه صلى الله عليه وسلم مع أهله وعظيم رحمته وعاطفته تجاهها، فقد كانت تمر الأيام الطويلة ولا يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار لطعام، وإنما طعامه وطعام أهله الأسودان: التمر والماء[4]، أفيترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله ـ وهي إنما ترضى بالشظف أسوة به ـ ليجلس من ورائها إلى مائدة شهية عامرة عند جاره الفارسي؟! ما كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرضى بذلك.
وأما أن يكون في ذلك ما يدل على أن عائشة رضي الله عنها ذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم متبرجة وجلست أمام الفارسي سافرة واختلطت العائلات على نحو ما يتم اليوم فهو شيء لا دلالة عليه، وحمل الحديث على هذا المعنى كحمل الشرق على أن يولد من داخله الغرب[5].
الشبهة الثانية: حديث زوجة أبي أسيد الساعدي:
عن سهل بن سعد رضي الله عنهما قال: لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعامًا ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلّت تمرات في تور[6] من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له[7]، فسقته تتحفه بذلك[8].
قالوا: فالحديث يدل على أنه يسوغ للمسلم أن يدع زوجته تستقبل ضيوفه وأن تشرف بنفسها على تكريمهم، وأن هذا ليس مما يأباه الإسلام[9].
الجواب:
1- لقد علم الفقهاء وعلماء المسلمين جميعًا أنه لا ضير في أن تتقدم المرأة بسترها الإسلامي الكامل فتقدم إلى ضيوف في دارها طعامًا أو شرابًا تكرمهم به وزوجها أو قريبها جالس. وهذا هو الذي وقع من امرأة أبي أسيد في حفل عرسه.
قال ابن حجر: "وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه، ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الفتنة ومراعاة ما يجب عليها من الستر"[10].
وليس كثيرًا في حفل يحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكرم العروس مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتولى بنفسها إكرام رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقديم الضيافة إليه، وليس في ذلك ما يشينها، كما أنه ليس فيه ما يلصق به عليه الصلاة والسلام أي منقصة.
وإنما الشين واقع فيما لو عثر المتعلق بهذا الحديث على أنها برزت أمام الرجال سافرة بادية الجسم والزينة، وهذا ما لا يمكن أن يعثر عليه، وما لا دليل عليه في الحديث[11].
2- لقد ظهر الكثير من نساء الصحابة في صفوف القتال يضمدن الجرحى ويسقين العطاش ومنهن أم سليم رضي الله عنها، فمن قال: إن ذلك دليل على أن المرأة لا حرج عليها في أن تختلط بالرجال كما تشاء وأن تتزين كما تريد؟!
إن قول القائل: "قامت العروس بنفسها تقدم الشراب إلى رسول الله، إذًا فللمرأة أن تعرض زينتها ومفاتنها أمام الرجال" ليس إلا كقول الآخر: "لقد شرع الله التجارة بالمال والسعي في الأرض من أجل الرزق، إذًا فلا بأس أن يخدع ويغبن"[12].
الشبهة الثالثة: الاختلاط في التعليم للصغار:
ينادي بعض الناس بالاختلاط في المدارس للصغار بحجة أن ذلك لا يضرهم ولا يؤثر عليهم، وبحجة أن المرأة أشد لباقة وأحسن معايشة للصغار[13].
الجواب:
1- إن هذه الخطوة يتبعها خطوات، ويصبح الأمر سهلاً، ويأتي من يقره عبر المراحل الدراسية الطويلة على تلك الحال الممقوتة، فأول الغيث قطرة، ومعظم النار من مستصغر الشرر، والإسلام العظيم وضع القواعد والأسس الثاتبة التي لا تتغير ولا تتبدل أحكامها وقوانينها، ومنع الحيل وأمر بسد الذرائع[14].
2- إن فكرة الاختلاط في التعليم أو غيره بين الرجال والنساء فكرة ماسونية وبذورها استعمارية دخيلة على الأمة، وهي أشد ضررًا على هذه الأمة من الدعوة إلى السفور علانية والتبرج ونزع الحجاب؛ لأنها تشتمل على هذا كله وأكثر منه[15].
3- إن الطفل يبدأ في النمو والتفتح والتطلع إلى المعرفة من السنة السادسة وهذا أمر واقع وثابت بالتجربة.
فها هو يدرس ويتعلم ويحفظ ويحرص على العلم والتعلم والمعرفة من هذا السن بل قبلها، وتجد أن الإسلام أمر الأبوين بأن يأمرا صغيرهما بالصلاة من بعد السنة السابعة بنين وبنات، وأمر بعزل البنين عن البنات في سن العاشرة وهو سن التمييز، فالابن يبدأ تفتحه وتحرك غرائزه من هذا السن، ويبدأ يدرك فيها كثيرًا من أمور الحياة.
وبالتجربة فإن بعض الصغار من بنين وبنات يبلغون سن الرشد من بعد التاسعة، وقد يتخلف بعضهم في الدراسة الأولى فيصل عمره إلى الثانية عشرة تقريبًا أو أكثر وهو في الصف الثاني أو الثالث، وهذه بداية سن المراهقة[16].
4- إذا رجعنا إلى الإحصائيات التي تأتي من البلاد المختلطة عرفنا تمامًا النسبة العالية في انتشار جرائم الزنا واللواط بين الصغار، ونسبة الحوامل فيمن سنهن في حدود الثانية عشرة من أعمارهن، وكثرة الشذوذ بين الجنس الذكري، تقول اللادي كوك: "إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، وها هنا البلاء العظيم على المرأة"[17].
وذكر الأستاذ سيد قطب من مشاهداته في أمريكا أنه ظهر أن نسبة الفتيات الحوامل في إحدى المدارس الثانوية هناك 48% [18].
5- ومن نتائج الاختلاط في التعليم ضعف سوية التعليم وتدني نسبة الاستفادة العلمية، ومن يزور بعض الفروع الجامعية المختلطة أو ينظر في نتائج الامتحانات آخر العام الدراسي يتبين له ذلك.
وقد زار بعض الكتاب مدرسة في بلجيكا ولاحظ أن جميع طلابها بنات، فلما سأل عن ذلك أجابته المديرة بقولها: "قد لمسنا أضرار اختلاط الأطفال حتى في سن المرحلة الابتدائية"[19].
ويخمّن القاضي لندسي الأمريكي أن 45% من فتيات المدارس يدنسن أعراضهن قبل خروجهن منها، وترتفع هذه النسبة كثيرًا في مراحل التعليم العالية[20].
الشبهة الرابعة: الاختلاط يخفف الشهوة:
يدعي دعاة الاختلاط أن اختلاط الرجال بالنساء يمكن أن يخفف من حدة إثارة الدافع الجنسي لدى كل من الرجل والمرأة[21].
الجواب:
1- الأمر بالعكس تمامًا، فإن الاختلاط يزيد من شدة إثارة الدافع الجنسي، ولو أن اختلاط الرجل بالمرأة غير المحرمة يخفف من حدة الدافع الجنسي لدى كل من الرجل والمرأة لوجدنا أن هذا الدافع يخف تدريجيًا ثم يصل إلى درجة الانعدام عند كل واحد من الزوجين بعد فترة من زواجهما لشدة اختلاط أحدهما بالآخر بشكل مستديم، ولكن الواقع هو عكس ذلك، إذ يستمر هذا الدافع لدى كل منهما ما دام أنه سوي في صحته الجسمية والعقلية[22].
ولقد ظهر زيف هذه الخرافة يومًا بعد يوم في مجتمع يتزايد فيه الاختلاط بدون قيود، ففي كل يوم يزداد فيه الاختلاط تزداد فيه الشهوة الجنسية استعارًا. وتشير بعض التقارير إلى أن أكثر من تسعين في المائة من النساء غير المتزوجات في أوربا وأمريكا يمارسن الزنا إما بطلاقة أو من حين لآخر[23].
2- قد يكون ما يذهب إليه دعاة تهذيب الشهوة صحيح من بعض نواحيه، وإن كان كثير من الشهوات الجامحة الجارفة يستعصي على الترويض، وأغلب الظن أن إدمان الخضوع للتجربة على تعاقب الأيام قد ينتهي إلى ما يريده المروضون من دعاة التهذيب، ولكن أي شيء يمكن أن يسمى هذا الذي يسعون إليه؟ أليس هو البرود الجنسي؟! إذا رأى الرجل المرأة فلم يثِر فيه هذا اللقاء ما يثور عادة في الرجال عند رؤية النساء ولم يطرأ على الرجل أي تغيير جنسي جسدي وكان قصارى ما يستتبعه ذلك كله هو أن تسري في جسده نشوة لا تدفع به إلى الحالة الإيجابية العضوية أليس يكون قد بلغ ما يسمى بالبرود الجنسي؟! أليس البرود الجنسي مرضًا يسعى المصابون به إلى الأطباء يلتمسون عندهم البرء والشفاء من أعراضه؟! فكيف نجعل هذا المرض غاية من الغايات نسعى إليها باسم التنفيس عن الكبت أو تهذيب الغريزة الجنسية؟! وكيف يكون الحال لو تصورنا التهذب في سائر الخلق، فبطل تجاذب السالب للموجب أو فتر، فأصبح من غير المؤكد أن يترتب على التقائهما الشوق الشديد والميل العنيف الذي لا يقاوم إلى الاندماج الكامل، أليس يفسد الكون كله؟!
إن حدة الشهوة وقوتها سبيل إلى تحسين النسل وداعية إلى إبراز أحسن خصائصه وأفضل صفاته، كما أن فتور الشهوة وبرودها سبيل إلى ضعف النسل وداعية إلى تدهور خصائصه وانحطاط صفات.
ونتيجة خطيرة لشيوع البرود الجنسي وهي انتشار الشذوذ الجنسي، فهي راجعة إلى أن الرجل الذي ألف أن يقع نظره على مفاتن المرأة فلا يثور يحتاج لكي يثور إلى مناظر وأوضاع تخالف ما ألف، ومصيبته بالبرود الجنسي تحرمه من الإحساس بذكورته، فيعاني أشد الألم مما يحسه في أعماق نفسه من الذلة والمهانة، ويدفعه ذلك إلى أن يحاول تحقيق متعة الاتصال الجنسي وإثباتها من كل الوجوه، عن طريق التقلب بين الخليلات وبائعات الهوى، والتماس الشاذ الغريب من الأساليب والأوضاع رجاء انبعاث ما ركد من ذكورته، وقد تدفعه مع ذلك إلى إغراق نفسه في الخدرات تعويضًا لما فقده من لذة أو إلى الإجرام أو المغامرة إثباتًا لذكروته من وجه آخر[24].
3- من نتائج الاختلاط عند الغرب بأقلام علمائهم:
يقول الدكتور جون كيشلر أحد علماء النفس الأمريكيين في شيكاغو: إن 90% من الأمريكيات مصابات بالبرود الجنسي و40% من الرجال مصابون بالعقم، وقال: إن الإعلانات التي تعتمد على صور الفتيات العارية هي السبب في هبوط المستوى الجنسي للشعب الأمريكي، وبسبب الاختلاط الذي سبب ما سبب في المجتمع البريطاني أصبحت المرأة التي تركت أنوثتها واتصفت بصفات الرجالات تسمى بالجنس الثالث، فهذا الجنس الثالث يخالف الرجال طبيعة وتركيبًا ويخالف النساء وظائف وأعمالاً[25].
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا،،،
الاختلاط
الشبهة الأولى: حديث الفارسي:
استدلّ بعض دعاة الاختلاط بين الرجال والنساء بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن جارًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فارسيًا كان طيب المرق، فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء يدعوه، فقال: ((وهذه؟)) لعائشة، فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا))، فعاد يدعوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وهذه؟)) قال: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا))، ثم عاد يدعوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وهذه؟)) قال: نعم، في الثالثة. فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله[1].
قالوا: ففي هذا الحديث تسويغٌ للمسلم أن يصحب زوجته إلى المآدب يقيمها جار أو صديق[2].
الجواب:
1- هذا الحديث لا يدل على أكثر من شيء واحد وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطحب عائشة معه إلى بيت الرجل الفارسي، وهو كما دلت أحاديث كثيرة أخرى على اصطحاب الصحابة نساءهم إلى المساجد، وكما دلت أحاديث أخرى على زيارة كثير من الصحابة لأمهات المؤمنين عامة وعائشة رضي الله عنها خاصة، من أجل رواية الحديث أو أخذ الفتاوى أو السؤال عن بعض أحوال النبي عليه الصلاة والسلام.
فأي تعارض بين هذه الدلالة التي لا إشكال فيها ولا نزاع وبين الحكم الإلهي القاضي باحتجاب المرأة عن الرجال والأمر لهم إذا جاؤوا يسألونهن حاجة أن يسألوهن من وراء حجاب؟![3].
2- أما أن يرفض رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستجابة لدعوة الفارسي إلا أن تصحبه عائشة رضي الله عنها فشيء ثابت لا إشكال فيه ولا منقصة، بل إن فيه الصورة البارزة الحية لجميل خلقه صلى الله عليه وسلم مع أهله وعظيم رحمته وعاطفته تجاهها، فقد كانت تمر الأيام الطويلة ولا يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار لطعام، وإنما طعامه وطعام أهله الأسودان: التمر والماء[4]، أفيترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله ـ وهي إنما ترضى بالشظف أسوة به ـ ليجلس من ورائها إلى مائدة شهية عامرة عند جاره الفارسي؟! ما كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرضى بذلك.
وأما أن يكون في ذلك ما يدل على أن عائشة رضي الله عنها ذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم متبرجة وجلست أمام الفارسي سافرة واختلطت العائلات على نحو ما يتم اليوم فهو شيء لا دلالة عليه، وحمل الحديث على هذا المعنى كحمل الشرق على أن يولد من داخله الغرب[5].
الشبهة الثانية: حديث زوجة أبي أسيد الساعدي:
عن سهل بن سعد رضي الله عنهما قال: لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعامًا ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلّت تمرات في تور[6] من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له[7]، فسقته تتحفه بذلك[8].
قالوا: فالحديث يدل على أنه يسوغ للمسلم أن يدع زوجته تستقبل ضيوفه وأن تشرف بنفسها على تكريمهم، وأن هذا ليس مما يأباه الإسلام[9].
الجواب:
1- لقد علم الفقهاء وعلماء المسلمين جميعًا أنه لا ضير في أن تتقدم المرأة بسترها الإسلامي الكامل فتقدم إلى ضيوف في دارها طعامًا أو شرابًا تكرمهم به وزوجها أو قريبها جالس. وهذا هو الذي وقع من امرأة أبي أسيد في حفل عرسه.
قال ابن حجر: "وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه، ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الفتنة ومراعاة ما يجب عليها من الستر"[10].
وليس كثيرًا في حفل يحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكرم العروس مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتولى بنفسها إكرام رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقديم الضيافة إليه، وليس في ذلك ما يشينها، كما أنه ليس فيه ما يلصق به عليه الصلاة والسلام أي منقصة.
وإنما الشين واقع فيما لو عثر المتعلق بهذا الحديث على أنها برزت أمام الرجال سافرة بادية الجسم والزينة، وهذا ما لا يمكن أن يعثر عليه، وما لا دليل عليه في الحديث[11].
2- لقد ظهر الكثير من نساء الصحابة في صفوف القتال يضمدن الجرحى ويسقين العطاش ومنهن أم سليم رضي الله عنها، فمن قال: إن ذلك دليل على أن المرأة لا حرج عليها في أن تختلط بالرجال كما تشاء وأن تتزين كما تريد؟!
إن قول القائل: "قامت العروس بنفسها تقدم الشراب إلى رسول الله، إذًا فللمرأة أن تعرض زينتها ومفاتنها أمام الرجال" ليس إلا كقول الآخر: "لقد شرع الله التجارة بالمال والسعي في الأرض من أجل الرزق، إذًا فلا بأس أن يخدع ويغبن"[12].
الشبهة الثالثة: الاختلاط في التعليم للصغار:
ينادي بعض الناس بالاختلاط في المدارس للصغار بحجة أن ذلك لا يضرهم ولا يؤثر عليهم، وبحجة أن المرأة أشد لباقة وأحسن معايشة للصغار[13].
الجواب:
1- إن هذه الخطوة يتبعها خطوات، ويصبح الأمر سهلاً، ويأتي من يقره عبر المراحل الدراسية الطويلة على تلك الحال الممقوتة، فأول الغيث قطرة، ومعظم النار من مستصغر الشرر، والإسلام العظيم وضع القواعد والأسس الثاتبة التي لا تتغير ولا تتبدل أحكامها وقوانينها، ومنع الحيل وأمر بسد الذرائع[14].
2- إن فكرة الاختلاط في التعليم أو غيره بين الرجال والنساء فكرة ماسونية وبذورها استعمارية دخيلة على الأمة، وهي أشد ضررًا على هذه الأمة من الدعوة إلى السفور علانية والتبرج ونزع الحجاب؛ لأنها تشتمل على هذا كله وأكثر منه[15].
3- إن الطفل يبدأ في النمو والتفتح والتطلع إلى المعرفة من السنة السادسة وهذا أمر واقع وثابت بالتجربة.
فها هو يدرس ويتعلم ويحفظ ويحرص على العلم والتعلم والمعرفة من هذا السن بل قبلها، وتجد أن الإسلام أمر الأبوين بأن يأمرا صغيرهما بالصلاة من بعد السنة السابعة بنين وبنات، وأمر بعزل البنين عن البنات في سن العاشرة وهو سن التمييز، فالابن يبدأ تفتحه وتحرك غرائزه من هذا السن، ويبدأ يدرك فيها كثيرًا من أمور الحياة.
وبالتجربة فإن بعض الصغار من بنين وبنات يبلغون سن الرشد من بعد التاسعة، وقد يتخلف بعضهم في الدراسة الأولى فيصل عمره إلى الثانية عشرة تقريبًا أو أكثر وهو في الصف الثاني أو الثالث، وهذه بداية سن المراهقة[16].
4- إذا رجعنا إلى الإحصائيات التي تأتي من البلاد المختلطة عرفنا تمامًا النسبة العالية في انتشار جرائم الزنا واللواط بين الصغار، ونسبة الحوامل فيمن سنهن في حدود الثانية عشرة من أعمارهن، وكثرة الشذوذ بين الجنس الذكري، تقول اللادي كوك: "إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، وها هنا البلاء العظيم على المرأة"[17].
وذكر الأستاذ سيد قطب من مشاهداته في أمريكا أنه ظهر أن نسبة الفتيات الحوامل في إحدى المدارس الثانوية هناك 48% [18].
5- ومن نتائج الاختلاط في التعليم ضعف سوية التعليم وتدني نسبة الاستفادة العلمية، ومن يزور بعض الفروع الجامعية المختلطة أو ينظر في نتائج الامتحانات آخر العام الدراسي يتبين له ذلك.
وقد زار بعض الكتاب مدرسة في بلجيكا ولاحظ أن جميع طلابها بنات، فلما سأل عن ذلك أجابته المديرة بقولها: "قد لمسنا أضرار اختلاط الأطفال حتى في سن المرحلة الابتدائية"[19].
ويخمّن القاضي لندسي الأمريكي أن 45% من فتيات المدارس يدنسن أعراضهن قبل خروجهن منها، وترتفع هذه النسبة كثيرًا في مراحل التعليم العالية[20].
الشبهة الرابعة: الاختلاط يخفف الشهوة:
يدعي دعاة الاختلاط أن اختلاط الرجال بالنساء يمكن أن يخفف من حدة إثارة الدافع الجنسي لدى كل من الرجل والمرأة[21].
الجواب:
1- الأمر بالعكس تمامًا، فإن الاختلاط يزيد من شدة إثارة الدافع الجنسي، ولو أن اختلاط الرجل بالمرأة غير المحرمة يخفف من حدة الدافع الجنسي لدى كل من الرجل والمرأة لوجدنا أن هذا الدافع يخف تدريجيًا ثم يصل إلى درجة الانعدام عند كل واحد من الزوجين بعد فترة من زواجهما لشدة اختلاط أحدهما بالآخر بشكل مستديم، ولكن الواقع هو عكس ذلك، إذ يستمر هذا الدافع لدى كل منهما ما دام أنه سوي في صحته الجسمية والعقلية[22].
ولقد ظهر زيف هذه الخرافة يومًا بعد يوم في مجتمع يتزايد فيه الاختلاط بدون قيود، ففي كل يوم يزداد فيه الاختلاط تزداد فيه الشهوة الجنسية استعارًا. وتشير بعض التقارير إلى أن أكثر من تسعين في المائة من النساء غير المتزوجات في أوربا وأمريكا يمارسن الزنا إما بطلاقة أو من حين لآخر[23].
2- قد يكون ما يذهب إليه دعاة تهذيب الشهوة صحيح من بعض نواحيه، وإن كان كثير من الشهوات الجامحة الجارفة يستعصي على الترويض، وأغلب الظن أن إدمان الخضوع للتجربة على تعاقب الأيام قد ينتهي إلى ما يريده المروضون من دعاة التهذيب، ولكن أي شيء يمكن أن يسمى هذا الذي يسعون إليه؟ أليس هو البرود الجنسي؟! إذا رأى الرجل المرأة فلم يثِر فيه هذا اللقاء ما يثور عادة في الرجال عند رؤية النساء ولم يطرأ على الرجل أي تغيير جنسي جسدي وكان قصارى ما يستتبعه ذلك كله هو أن تسري في جسده نشوة لا تدفع به إلى الحالة الإيجابية العضوية أليس يكون قد بلغ ما يسمى بالبرود الجنسي؟! أليس البرود الجنسي مرضًا يسعى المصابون به إلى الأطباء يلتمسون عندهم البرء والشفاء من أعراضه؟! فكيف نجعل هذا المرض غاية من الغايات نسعى إليها باسم التنفيس عن الكبت أو تهذيب الغريزة الجنسية؟! وكيف يكون الحال لو تصورنا التهذب في سائر الخلق، فبطل تجاذب السالب للموجب أو فتر، فأصبح من غير المؤكد أن يترتب على التقائهما الشوق الشديد والميل العنيف الذي لا يقاوم إلى الاندماج الكامل، أليس يفسد الكون كله؟!
إن حدة الشهوة وقوتها سبيل إلى تحسين النسل وداعية إلى إبراز أحسن خصائصه وأفضل صفاته، كما أن فتور الشهوة وبرودها سبيل إلى ضعف النسل وداعية إلى تدهور خصائصه وانحطاط صفات.
ونتيجة خطيرة لشيوع البرود الجنسي وهي انتشار الشذوذ الجنسي، فهي راجعة إلى أن الرجل الذي ألف أن يقع نظره على مفاتن المرأة فلا يثور يحتاج لكي يثور إلى مناظر وأوضاع تخالف ما ألف، ومصيبته بالبرود الجنسي تحرمه من الإحساس بذكورته، فيعاني أشد الألم مما يحسه في أعماق نفسه من الذلة والمهانة، ويدفعه ذلك إلى أن يحاول تحقيق متعة الاتصال الجنسي وإثباتها من كل الوجوه، عن طريق التقلب بين الخليلات وبائعات الهوى، والتماس الشاذ الغريب من الأساليب والأوضاع رجاء انبعاث ما ركد من ذكورته، وقد تدفعه مع ذلك إلى إغراق نفسه في الخدرات تعويضًا لما فقده من لذة أو إلى الإجرام أو المغامرة إثباتًا لذكروته من وجه آخر[24].
3- من نتائج الاختلاط عند الغرب بأقلام علمائهم:
يقول الدكتور جون كيشلر أحد علماء النفس الأمريكيين في شيكاغو: إن 90% من الأمريكيات مصابات بالبرود الجنسي و40% من الرجال مصابون بالعقم، وقال: إن الإعلانات التي تعتمد على صور الفتيات العارية هي السبب في هبوط المستوى الجنسي للشعب الأمريكي، وبسبب الاختلاط الذي سبب ما سبب في المجتمع البريطاني أصبحت المرأة التي تركت أنوثتها واتصفت بصفات الرجالات تسمى بالجنس الثالث، فهذا الجنس الثالث يخالف الرجال طبيعة وتركيبًا ويخالف النساء وظائف وأعمالاً[25].
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا،،،