المصدر الخامس:هو الواقع، واقعنا المعيش معهم، وهو كتاب لم تتم فصوله بعد، وهم يضيفون إليه كل حين فقرة أو فصلاً أو بابًا أو جزءًا. ونحن مع هذا به جاهلون وعنه غافلون.
واجهنا القوم في عدة حروب، وعقدنا معهم هدنات واتفاقيات، وحضرنا معهم مفاوضات، وتخاطبنا معهم بالكلام والسلاح.
وقد عرّفنا هذا الواقع أن القوم لا يعترفون بقوة المنطق، بل بمنطق القوة، فهم بالقوة أخذوا الأرض من أصحابها، وبالقوة حققوا حلم الوطن القومي، وبالقوة أقاموا فيه دولتهم، وبالقوة أضافوا إلى هذه الدولة أراضي جديدة: الجولان والقدس والضفة الغربية.
وبالقوة غزوا لبنان من قبل على مرأى ومسمع من العرب والمسلمين والعالم، وفرضوا إرادتهم على المجتمع العربي والدولي بإخراج المقاومة الفلسطينية من بيروت فخرجت، ولم يكتفوا بذلك حتى عملوا على ذبح الفلسطينيين العزل في مخيمات اللاجئين، فذبحوا جهارًا نهارًا، وما زالوا يعدون لمعارك أو مذابح أخر!
وآخر ما حملته الأنباء وأنا أكتب هذه السطور (19/10/1982م) ما قاله مناحم بيجن رئيس وزرائهم في خطاب له بمناسبة افتتاح الدورة الشتوية للكنيست الإسرائيلي، فقد أعلن أنه "لا حاجة مطلقًا لمبادرات سلام جديدة في الشرق الأوسط، ما دام لا يوجد خطر أية مجابهة بين إسرائيل وجيرانها العرب خلال المستقبل المنظور".
وأضاف: "ولذلك فإن السؤال المطروح هو: لماذا نهدم الهيكل الحالي للسلام؟ ولماذا نخلق شروطًا جديدة يمكن أن تؤدي إلى تجدد الحروب وإراقة الدماء" !
ومعنى هذا بصراحة: أن العجز العربي عن شن أي حرب هو وحده الذي يضمن سلام إسرائيل. ومعنى هذا كذلك: أن القوة في نظر بيجن ومؤسسته العسكرية هي الأصل، وهي الفيصل وهي الحكم. "تكلم السيف فاسكت أيها القلم!" .
وبيجن الواقعي لم ينس أن يقيد كلامه بقوله: "خلال المستقبل المنظور" يعني: ما لم تحدث متغيرات من حوله غير محسوبة ولا متوقعة، كأن يصحو النائمون، أو يجتمع المتفرقون، أو يخطط المرتجلون، أو يقدم المترددون ويعمل القاعدون!
وواقعنا المعيش مع عدونا يعلمنا أن العنصر الديني له أكبر الأثر في تكوين شخصيته، وفي تحديد أحلامه وطموحاته، وفي دفعه إلى بذل المال ـ برغم ما عرف عن اليهود من شح به وحرص عليه ـ وفي تحميسه للهجرة من وطن طال مقامه فيه، وارتبطت مصالحه به، وفي حفزه للمغامرة في أعمال عسكرية قبل قيام الدولة وبعدها، برغم ما عرف عن الإنسان اليهودي من جبن وحرص على حياة.
إنهم اختاروا فلسطين وطنًا لهم بناء على أحلام ونبوءات دينية يؤمنون بها، فهي في نظرهم "أرض الميعاد" . إنهم يستقون أفكارهم وآمالهم من تعاليم تورانية تلمودية.
وقد بلغ من عنايتهم بالعنصر الديني في قضيتهم: أنهم أثروا في الغرب المسيحي، وأقنعوه بأنهم يلتمسون حقًا قرره لهم الدين، وبشرتهم به التوراة التي يؤمن بها المسيحيون، وأن من لم يساعدهم في تحقيق أمانيهم القومية يكون متنكرًا للتوراة، جاحدًا بتعاليم الأنبياء!
ولعل اقرب مثل يصدق هذا ما نشره الرئيس الأمريكي السابق "جيمي كارتير" في مذكراته التي نشرت ـ منذ سنوات ـ حول اتفاقيات كامب ديفيد.
فهو يتحدث عن أول زيارة له إلى إسرائيل (مايو/1973م) وكيف أعطته فرصة "لتعلم المزيد عن (أرض الإنجيل) التي درسنا عنها منذ أيام طفولتنا المبكرة" كما قال.
"وظللت ثلاثة أيام أبدا من قبل الفجر تجوالي في شوارع القدس القديمة، وأملأ فراغي كل يوم وليلة بزيارات رائعة للأماكن المقدسة التي شهدت التاريخ القديم، وللأماكن التي ما يزال يصنع التاريخ فيها".
"تركت هذه الزيارة لإسرائيل انطباعًا كبيرًا عليّ، فعندما بدأت أعد حملتي الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة ـ فيما بعد ـ واصلت دراستي للتاريخ المعقد لمنطقة الشرق الأوسط، وعندما أعلنت ترشيحي للرئاسة خصصت بالذكر تأييدي لالتزام الولايات المتحدة بأمن لإسرائيل!
ويقول: "كانت الأخلاق اليهودية النصرانية ودراسة "التوراة" أواصر بين اليهود والنصارى، وقد ظلت هذه الأواصر جزءًا من حياتي. كذلك قد كنت اعتقد اعتقادًا راسخًا بأن اليهود الذين لم تقض عليهم جائحة النازية يستحقون أن يكون لهم وطن خاص، كما أن لهم الحق في أن يعيشوا في سلام بين جيرانهم، واعتبرت أن هذا الوطن القومي لليهود يتماشى مع تعاليم "التوراة"!
ولذا فإنه أمر شرعه الله!! وقد جعلت اعتقاداتي الخلقية والدينية هذه التزامي بأمن إسرائيل التزامًا لا يتزعزع " !!
ولقد نشرت الصحف منذ سنوات تصريحًا للجنرال الإسرائيلي المعروف موشى ديان يبرر به ضم القدس إلى إسرائيل وإنشاء مستوطنات جديدة فيقول: (إن على الذين يعارضون هذه السياسة مراجعة موقفهم من الإنجيل والتوراة!)
وقد أثرت هذه الدعاية في كثيرين في مختلف القارات ممن يعتنقون النصرانية، حتى نقل الأستاذ كامل الشريف في كتابه "المغامرة الإسرائيلية في إفريقيا" عن زعيم سياسي نيجيري في كتاب له عن إسرائيل قال فيه:
(إن إسرائيل ليست اسمًا جديدًا في تاريخ العالم. فقد عُلِّمْت في مدرسة الأحد في قريتي: أن شعب إسرائيل هو شعب الله المختار)!
ولقد بلغ من تركيز عدونا على الجانب الديني أنه حاول أن يستغل ديننا ذاته لتأييد قضيته، حتى إنهم بعد حرب سبع وستين كانوا يرفعون أمام بعض ضباطنا وجنودنا لافتات كتب عليها قوله تعالى في القرآن: ﴿كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين﴾ البقرة: 249.
وأحيانًا قوله تعالى : ﴿وكان حقًا علينا نصر المؤمنين﴾ الروم: 47
ومن عجائب ما سمعناه وقرأناه أن مناحيم بيجن حينما خطب ـ معقبًا على خطاب الرئيس: "أنور السادات" في الكنيست الإسرائيلي ـ ليؤكد حق اليهود في إقامة وطن في فلسطين، كان مما قاله: "إن حق إسرائيل في فلسطين حق أبدي تاريخي تشهد له الكتب، ومنها القرآن نفسه"
واستدل هنا بالآية الكريمة التي جاءت في سورة المائدة (آية 21) على لسان موسى عليه السلام: " يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم، ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين". وقال: " إن الله فرض لنا الأرض المقدسة دون سائر الخلق، فلا يجوز لأحد دينيًا أن ينازعنا فيها" !!
والآية تعني: أنه كتب لهم دخولها، أي قدره سبحانه، وقد دخلوها بالفعل، وأنفذ الله قدره، بعد ما ضرب عليهم التيه أربعين سنة جزاء نكوصهم، وقولهم لنبيهم ومنقذهم في وقاحة متناهية: ﴿إنا لن ندخلها أبدًا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ههنا قاعدون﴾ المائدة: 24.
ولا تعني الآية أن الله كتب لهم البقاء الدائم فيها، وإلا لتناقض هذا مع الواقع، فقد أخرجوا منها منذ ألفي سنة!!
واجهنا القوم في عدة حروب، وعقدنا معهم هدنات واتفاقيات، وحضرنا معهم مفاوضات، وتخاطبنا معهم بالكلام والسلاح.
وقد عرّفنا هذا الواقع أن القوم لا يعترفون بقوة المنطق، بل بمنطق القوة، فهم بالقوة أخذوا الأرض من أصحابها، وبالقوة حققوا حلم الوطن القومي، وبالقوة أقاموا فيه دولتهم، وبالقوة أضافوا إلى هذه الدولة أراضي جديدة: الجولان والقدس والضفة الغربية.
وبالقوة غزوا لبنان من قبل على مرأى ومسمع من العرب والمسلمين والعالم، وفرضوا إرادتهم على المجتمع العربي والدولي بإخراج المقاومة الفلسطينية من بيروت فخرجت، ولم يكتفوا بذلك حتى عملوا على ذبح الفلسطينيين العزل في مخيمات اللاجئين، فذبحوا جهارًا نهارًا، وما زالوا يعدون لمعارك أو مذابح أخر!
وآخر ما حملته الأنباء وأنا أكتب هذه السطور (19/10/1982م) ما قاله مناحم بيجن رئيس وزرائهم في خطاب له بمناسبة افتتاح الدورة الشتوية للكنيست الإسرائيلي، فقد أعلن أنه "لا حاجة مطلقًا لمبادرات سلام جديدة في الشرق الأوسط، ما دام لا يوجد خطر أية مجابهة بين إسرائيل وجيرانها العرب خلال المستقبل المنظور".
وأضاف: "ولذلك فإن السؤال المطروح هو: لماذا نهدم الهيكل الحالي للسلام؟ ولماذا نخلق شروطًا جديدة يمكن أن تؤدي إلى تجدد الحروب وإراقة الدماء" !
ومعنى هذا بصراحة: أن العجز العربي عن شن أي حرب هو وحده الذي يضمن سلام إسرائيل. ومعنى هذا كذلك: أن القوة في نظر بيجن ومؤسسته العسكرية هي الأصل، وهي الفيصل وهي الحكم. "تكلم السيف فاسكت أيها القلم!" .
وبيجن الواقعي لم ينس أن يقيد كلامه بقوله: "خلال المستقبل المنظور" يعني: ما لم تحدث متغيرات من حوله غير محسوبة ولا متوقعة، كأن يصحو النائمون، أو يجتمع المتفرقون، أو يخطط المرتجلون، أو يقدم المترددون ويعمل القاعدون!
وواقعنا المعيش مع عدونا يعلمنا أن العنصر الديني له أكبر الأثر في تكوين شخصيته، وفي تحديد أحلامه وطموحاته، وفي دفعه إلى بذل المال ـ برغم ما عرف عن اليهود من شح به وحرص عليه ـ وفي تحميسه للهجرة من وطن طال مقامه فيه، وارتبطت مصالحه به، وفي حفزه للمغامرة في أعمال عسكرية قبل قيام الدولة وبعدها، برغم ما عرف عن الإنسان اليهودي من جبن وحرص على حياة.
إنهم اختاروا فلسطين وطنًا لهم بناء على أحلام ونبوءات دينية يؤمنون بها، فهي في نظرهم "أرض الميعاد" . إنهم يستقون أفكارهم وآمالهم من تعاليم تورانية تلمودية.
وقد بلغ من عنايتهم بالعنصر الديني في قضيتهم: أنهم أثروا في الغرب المسيحي، وأقنعوه بأنهم يلتمسون حقًا قرره لهم الدين، وبشرتهم به التوراة التي يؤمن بها المسيحيون، وأن من لم يساعدهم في تحقيق أمانيهم القومية يكون متنكرًا للتوراة، جاحدًا بتعاليم الأنبياء!
ولعل اقرب مثل يصدق هذا ما نشره الرئيس الأمريكي السابق "جيمي كارتير" في مذكراته التي نشرت ـ منذ سنوات ـ حول اتفاقيات كامب ديفيد.
فهو يتحدث عن أول زيارة له إلى إسرائيل (مايو/1973م) وكيف أعطته فرصة "لتعلم المزيد عن (أرض الإنجيل) التي درسنا عنها منذ أيام طفولتنا المبكرة" كما قال.
"وظللت ثلاثة أيام أبدا من قبل الفجر تجوالي في شوارع القدس القديمة، وأملأ فراغي كل يوم وليلة بزيارات رائعة للأماكن المقدسة التي شهدت التاريخ القديم، وللأماكن التي ما يزال يصنع التاريخ فيها".
"تركت هذه الزيارة لإسرائيل انطباعًا كبيرًا عليّ، فعندما بدأت أعد حملتي الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة ـ فيما بعد ـ واصلت دراستي للتاريخ المعقد لمنطقة الشرق الأوسط، وعندما أعلنت ترشيحي للرئاسة خصصت بالذكر تأييدي لالتزام الولايات المتحدة بأمن لإسرائيل!
ويقول: "كانت الأخلاق اليهودية النصرانية ودراسة "التوراة" أواصر بين اليهود والنصارى، وقد ظلت هذه الأواصر جزءًا من حياتي. كذلك قد كنت اعتقد اعتقادًا راسخًا بأن اليهود الذين لم تقض عليهم جائحة النازية يستحقون أن يكون لهم وطن خاص، كما أن لهم الحق في أن يعيشوا في سلام بين جيرانهم، واعتبرت أن هذا الوطن القومي لليهود يتماشى مع تعاليم "التوراة"!
ولذا فإنه أمر شرعه الله!! وقد جعلت اعتقاداتي الخلقية والدينية هذه التزامي بأمن إسرائيل التزامًا لا يتزعزع " !!
ولقد نشرت الصحف منذ سنوات تصريحًا للجنرال الإسرائيلي المعروف موشى ديان يبرر به ضم القدس إلى إسرائيل وإنشاء مستوطنات جديدة فيقول: (إن على الذين يعارضون هذه السياسة مراجعة موقفهم من الإنجيل والتوراة!)
وقد أثرت هذه الدعاية في كثيرين في مختلف القارات ممن يعتنقون النصرانية، حتى نقل الأستاذ كامل الشريف في كتابه "المغامرة الإسرائيلية في إفريقيا" عن زعيم سياسي نيجيري في كتاب له عن إسرائيل قال فيه:
(إن إسرائيل ليست اسمًا جديدًا في تاريخ العالم. فقد عُلِّمْت في مدرسة الأحد في قريتي: أن شعب إسرائيل هو شعب الله المختار)!
ولقد بلغ من تركيز عدونا على الجانب الديني أنه حاول أن يستغل ديننا ذاته لتأييد قضيته، حتى إنهم بعد حرب سبع وستين كانوا يرفعون أمام بعض ضباطنا وجنودنا لافتات كتب عليها قوله تعالى في القرآن: ﴿كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين﴾ البقرة: 249.
وأحيانًا قوله تعالى : ﴿وكان حقًا علينا نصر المؤمنين﴾ الروم: 47
ومن عجائب ما سمعناه وقرأناه أن مناحيم بيجن حينما خطب ـ معقبًا على خطاب الرئيس: "أنور السادات" في الكنيست الإسرائيلي ـ ليؤكد حق اليهود في إقامة وطن في فلسطين، كان مما قاله: "إن حق إسرائيل في فلسطين حق أبدي تاريخي تشهد له الكتب، ومنها القرآن نفسه"
واستدل هنا بالآية الكريمة التي جاءت في سورة المائدة (آية 21) على لسان موسى عليه السلام: " يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم، ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين". وقال: " إن الله فرض لنا الأرض المقدسة دون سائر الخلق، فلا يجوز لأحد دينيًا أن ينازعنا فيها" !!
والآية تعني: أنه كتب لهم دخولها، أي قدره سبحانه، وقد دخلوها بالفعل، وأنفذ الله قدره، بعد ما ضرب عليهم التيه أربعين سنة جزاء نكوصهم، وقولهم لنبيهم ومنقذهم في وقاحة متناهية: ﴿إنا لن ندخلها أبدًا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ههنا قاعدون﴾ المائدة: 24.
ولا تعني الآية أن الله كتب لهم البقاء الدائم فيها، وإلا لتناقض هذا مع الواقع، فقد أخرجوا منها منذ ألفي سنة!!