في مدح النبي صلى الله عليه و سلم
لِلإمَامِ شَرَفِ الدِّينِ أَبي عَبدُ الله مُحَمَّد البُوصيري
وَرَاوَدَتْهُ الجِبَالُ الشُّمُّ مِنْ ذَهَب ** عَنْ نَفْسِهِ فَأَرَاهَا أَيَّمَا شَمَم
وَأَكَّدَتْ زُهْدَهُ فِيهَا ضَرُورَتُه ** إِنَّ الضَرُورَةَ لاَ تَعْدُو عَلىَ العِصَم
وَكَيْفَ تَدْعُو إِلىَ الدُّنْيَا ضَرُورَةُ مَن ** لَوْلاَهُ لَمْ تُخْرَجِ الدُّنْيَا مِنَ العَدَم
مُحَمَّدٌ سَيِّدُ الكَوْنَيْنِ وَالثَّقَلَيْـ ** ـنِ وِالفَرِيقَيْنِ مِنْ عُرْبٍ وَمِنْ عَجَم
نَبِيُّنَا الآمِرُ النَّاهِي فَلاَ أَحَد ** أَبَرَّ فيِ قَوْلِ لاَ مِنْهُ وَلاَ نَعَمِ
هُوَ الحَبِيبُ الذِّي تُرْجَى شَفَاعَتُه ** لِكُلِّ هَوْلٍ مِنَ الأَهْوَالِ مُقْتَحِمِ
دَعَا إِلىَ اللهِ فَالْمُسْتَمْسِكُونَ بِه ** مُسْتَمْسِكُونَ بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْفَصِمِ
فَهْوَ الذِّي تَمَّ مَعْنَاهُ وَصُورَتُه ** ثُمَّ اصْطَفَاهُ حَبِيبًا بَارِئُ النَّسَمِ
مُنَزَّهٌ عَنْ شَرِيكٍ فيِ مَحَاسِنِه ** فَجَوْهَرُ الحُسْنِ فِيِهِ غَيْرُ مُنْقَسِمِ
دَعْ مَا ادَّعَتْهُ النَّصَارَى فيِ نَبِيِّهِم ** وَاحْكُمْ بِمَا شِئْتَ مَدْحًا فِيهِ وَاحْتَكِم
وَانْسُبْ إِلىَ ذَاتِهِ مَا شِئْتَ مِنْ شَرَف ** وَانْسُبْ إِلىَ قَدْرُهُ مَا شِئْتَ مِنْ عِظَمِ
فَإِنَّ فَضْلَ رَسُولِ اللهِ لَيْسَ لَه ** حَدٌّ فَيُعْرِبَ عَنْهُ نَاطِقٌ بِفَمِ
وَكَيْفَ يُدْرِكُ فيِ الدُّنْيَا حَقِيقَتَه ** قَوْمٌ نِيَامٌ تَسَلَّوْا عَنْهُ بِالحُلُم
فَمَبْلَغُ العِلْمِ فِيهِ أَنَّهُ بَشَر ** وَأَنَّهُ خَيْرُ خَلْقِ اللهِ كُلِّهِمِ
وَكُلُّ آيٍ أَتَى الرُّسْلُ الكِرَامُ بِهَا ** فَإِنَّمَا اتَّصَلَتْ مِنْ نُوِرِهِ بِهِمِ
فَإِنَّهُ شَمْسُ فَضْلٍ هُمْ كَوَاكِبُهَا ** يُظْهِرْنَ أَنْوَارُهاَ لِلنَّاسِ فيِ الظُّلَم
أَكْرِمْ بِخَلْقِ نَبِيٍ زَانَهُ خُلُق ** بِالحُسْنِ مُشْتَمِلٍ بِالبِشْرِ مُتَّسِم
كَالزَّهْرِ فيِ تَرَفٍ وَالبَدْرِ فيِ شَرَف ** وَالبَحْرِ فيِ كَرَمٍ وَالدَّهْرِ فيِ هِمَم
كَأَنَّه وَهُوَ فَرْدٌ مِنْ جَلاَلَتِه ** فيِ عَسْكِرٍ حِينَ تَلَقَاهُ وَفيِ حَشَمِ
كَأَنَّمَا اللُّؤْلُؤْ المَكْنُونُ فيِ صَدَف ** مِنْ مَعْدِنَيْ مَنْطِقٍ مِنْهُ وَمْبَتَسَمِ
لاَ طِيبَ يَعْدِلُ تُرْبًا ضَمَّ أَعْظُمَه ** طُوبىَ لِمُنْتَشِقٍ مِنْهُ وَمُلْتَثِم